عندما تبع التبريزى قلبه

شمس الدين التبريزى، الذى مازال القوم يتجادلون حول حياته و كيفية موته والعلاقة التى ربطته بجلال الدين الرومى
لا تخطئ فهمى عزيزى القارئ فأنا لا أكتب الآن عن الصوفية و لكن أخبئ لك فى سريرتى أمراً آخر.
 
لم يصدقه والده عندما حدثه عما رآه، لقد ظن أن الجميع تمكنوا من رؤية ذلك النور و لم يدرك أنه قد تجلى له وحده،فكذبه والده و قاومه ولكن التبريزى انطلق خلف هذا الشئ العظيم ،تبع قلبه و اجتمع بجلال الدين الرومى ليترك لنا فى النهاية إرثاً مميزاً من شعر الحب العذرى ؛لم يأت بعده ما يفوقه سحراً و كأنه خُطَّ من أحرف من نور، ويعلمنا كيف نعبد الله من باب الحب لا الخوف.
 
لا أستطيع أن أمنع نفسى من التساؤل،ماذا لو؟ ذلك السؤال العقيم الذى توارثته الأجيال. ماذا لو استسلم التبريزى لأبيه و تكذيبه له و أقنع  نفسه أن ما يشعر به مجرد وهم و خيالات، ماذا لو لم يَهِم على وجهه ؛فليس كل هائم تائه أو مضلل،ماذا لو لم  ينطلق فى أرض الله، ماذا لو لم يلتق بالرومى.
 
ما كان ما هو كائن.
 
أن تكون مؤمناً بإحساسك، عارفاً لأهدافك و رغباتك، قانعاً بطريقك الذى تشقه و أنت راض تمام الرضا عما فيه من مشقة، مستمتع بكل إنجاز تحققه و لو بسيط، حتى لو كنت تحبو،المهم أنك لم تتوقف عن المحاولة،لم تيأس، ولم تستسلم للحبال التى تحاول أن تتشبث بأقدامك لتجذبك إليها سواء كانت النوايا حمايتك أو هدمك.
 
"أنا لست أنت، و أنت نفسك."
 
لايعنى مطلقاً بأن ما شاع أصاب، فالأغلبية مخطئة معظم الوقت، منساقة فى القطيع الذى لم ترثه فقط بل ورثت خوفه معه.الخوف من الخروج عنه و عدم القيام بكل ما يفعله أفراده،فتصبح مذموماً، منبوذاً ، ناقصاً،معاباً على اختلافك.
إن آمنت حقاً بشئ، شعرت به يتحرك بداخلك و ينمو مع نموك لاتتركه، لاتتخلى هكذا ببساطة عن غايتك،قد تتغير السبل لكن لا تتخلى أبدا عما يجعلك أنت حتى و إن لم يُرضى الجميع، حتى و إن وجدت نفسك تسير  وحيد فى طريقك، فأنت رغم الزحام وحيد، ألمك يخصك ، ذنوبك تخصك ،حسابك يخصك،أنت وحدك مستقل بذاتك لا تحتاج لشخص كى تكتمل،لأن الكل غير مكتمل و لن يكمل ناقص ناقصاً.
 
لا يملك أحد أحداً مهما بلغت سلطته و سطوته عليه،فالله عندما يرزق شخصاً بالأبناء فهو يجعلهم "ودائع" عنده، ليهب الحياة أفرادا استطاعوا أن يرتقوا من كونهم مجرد بشر إلى " بنى آدم" حقيقيين، هو سبب وملاذ.
الله لايفرق فى أذى النفس و الجرح بين كبير و صغيرأو حاكم و محكوم،كما أن الله لا ينسى ما نفعله و إن تناسينا و أردنا أن نُلقِى بكتاب الحساب كله على عاتق آخرين.
 
 دعونا نتعلم ألا نترك المشكلة الحقيقة و نتمسك برد فعل سخيف لايرقى إلى البداية التى جعلته ينطلق كالصاروخ من مخدعه.ولا تجعل من أى شئ فى حياتك عائقاً يمنعك من كونك أنت.فالتبريزى لم تكن حياته كغيره ولم يستطع أن يكون كما يريدون. كن أنت ، فأن تظهر فى صورة شخص لديه عيوب و مزايا أفضل بكثير من أن تتحول إلى شخصى مُدع، يمثل كل يوم على الآخرين لكى يرضوا عنه و يمثل على نفسه فيتوه و يدخل فى دوامة من الحزن لا يعرف مصدره.
 
ودعونا لا نتغافل عن العظماء فى تاريخ الإنسانية، ونتذكر أن لكل شئ ثمن، وكل عظيم نقصه شئ ما قد تكون امتكلته أنت،ولا تجعل خدعة الوقت تنطلى عليك، كل شئ يحدث فى محله،لا شئ يتأخر و لا شئ يبكر،لايوجد قطار و لا يوجد سباق،هذا هو الوهم الذى تشربناه و تتناقله الأجيال دون لحظة توقف و محاولة  للتأمل و الإدراك.
لاتفكر حتى بتغيير أحد، اترك غيرك يكون كما يشاء و كن أنت كما تشاء. كن سعيدا،فالسعادة ليست بالمادة و الأشياء الباهظة ،السعادة هى لحظات تشعر فيها حقا بأن قلبك يتراقص،تشعر بأنك حقيقي ، تشعر بأنك ممتزج بكل ذرة فى الكون الفسيح، تشعر بأنك موصول مع الذات العليا، المصدر و الجذر،تشعر أنك فى كل شئ و كل شئ فيك
 

Comments

Popular posts from this blog

قبل أن تخدع ذاتك

عن فراشة الريم

المُرتَحِلون والساكنون خوفاً