المرآة المُعتمة





عندما ننظر فى المرآة نرى وجوهنا، وحينما نتأملها قد نرى ماوراء تلك الوجوه، ما تخفيه الأنفس ومايقبع فى أغوارها. قد تدفعنا الصورة التى نراها إلى مواجهة قاسية مع النفس،إلى كشف الستار عن خبايا محجوبة كرهاً أو خوفاً من تلك اللحظة الفارقة. ولكن ماذا تفعل لو كنت مكان هذا الرجل؟؟؟
تعود كغيره من الناس أن ينظر إلى نفسه فى المرآة قبل أن يهم بالخروج ليضع لمساته الأخيرة التى تضمن له بداية أنيقة ليومه. حتى جاء يوم ليس كسائر الأيام، يوم نظر فى المرأة فلم يرَ شيئاً!! لقد صارت مرآتى معتمة؟ أم فقدت البصر؟! نظر إلى يديه فإذا بهما فى موضعهما المعتاد ،خرج مهرولا ونظر فى مرآة سيارته فرأى وجهه المذعورّ! إذن ماذا حدث لتلك المرآة؟لماذا الآن؟
عاد إلى منزله فى المساء ونظر إلى المرآة من بعيد فى مزيج من التوجس والمقت، اقترب منها فى بطء وحذر نظر إليها و لم ير شيئاً. صرخ لماذا؟ماذا بك؟ وتوجه بعيدا عنها فإذا به يسمع صوت أنين كأنه مريض يتألم بشدة التفت فى خوف و اختلجته رعشة أفقدته هيئة الثقة المصاحبة دوما له. ماهذ، من أين يأتى هذا الصوت؟ أيتها المرآة !! مرآتى تئن! اقترب شيئا فشيئاً حتى صار الصوت أوضح. ماذا بك؟؟ قالت فى صوت مبحوح :"ألم أكن دوما صديقتك؟" قال :"بلى". قالت: "لمَ الإصرار على العمى، أن تجبرنى على إخفاء الحقائق عنك على إغماض عينيك وهما مفتوحتان؟ لماذا صرت أصم و تريد مساعدتى لتصبح كفيفاً أيضا؟؟ لماذا تصر على قتل النعم الحية بداخلك ؟ لماذا تصر على قتل نبض الحقيقة الراسخ فيك.
ومن أنت "مرآة الحقيقة!"، قالها ساخراً..
قالت :"ولم لا؟ حان دورى لأجبرك على ممارسة فعل البصيرة، فلن يكون البصر كافياً أبداً لك إن كنت تريد أن تستحق مرتبة "الآدمية".
لقد صرت مثل "ماكينة مملة منساقة ولاتقوى على السير فى طريق خاص بها، لاتجرؤ على السير فى طريق خطط حسب أفكارك أنت ،قناعاتك أنت و رؤيتك أنت.
إنى ألعنك اليوم و قررت؛ مادمت تصر على التعامى، فلن أريك شيئاً بعد اليوم، لن أستمر فى عكس صورتك المتغطرسة الهلامية الملامح، لن أستمر فى عكس نفس منومة وعقل آثر أن يغيب على أن يواجه و يصطدم بالحقيقة ،أبى أن يدفع ثمن معرفة الحقيقة حتى و إن كان مهرها غالياً.
أعرف أنك تعلم جيدا ضعفك "لابأس" ولكن إصرارك عليه "منتهى العار"
تعاون أولو النفوس المريضة بسبب جهلك الحقائق التى أغمضت عينك عنها عمداً، وتريد أن تتبرأ من الذنب! هيهات لذنب يُغفَر بالإغماض!!.
شعر بوخزة فى قلبه جعلته يجز على أسنانه ألماً و غيظاً.
 لم يقو على الرد لأنه مذنب و يعلم هذا جيدا. يعلم أنه آثر ممارسة الاستسهال، آثر ذاكرة السمك وباع ذاكرته للفئران  فأصبحت رؤيته مشوشة.
الأصوات متداخلة الألون، الصراحة صارت باهتة كئيبة كل هذا لأنه آثر أن يعيش نصف إنسان.

Comments

Popular posts from this blog

قبل أن تخدع ذاتك

عن فراشة الريم

المُرتَحِلون والساكنون خوفاً