حكايات نون مكسورة "القصة الأولى"
لم أكن أتخيل أننى سأصير يوماً من الأيام بطلة مكسورة يروون قصتها لتكون
عبرة و عظة لغيرها من النساء فى مجتمعاتنا العليلة.
تبدأ حكايتى بأب يمارس فنون القهر على أمى و علينا؛ أنا و أختى التوأم،
يستخدم قدمه و يده ببراعة، فينهال علينا ضرباً،و يعينه لسانه، فيبرع فى السباب و
الإهانات المستمرة،بالإضافة إلى بخله و مبالغته فى حرماننا من كل شئ،كان يعبد
الأشياء عبادة،فاستحالت الحياة معه، و انفصلت أمى عنه قبل فوات الأوان.
اجتهدت أمى كثيراً، وكرست حياتها لنحيا معها حياة سوية،بلا عقد،بلا احتياج
و بلا إهانة،حيث كانت تعمل مدرسة فى إحدى المدارس العريقة بالإضافة إلى الدروس
المسائية، فتخرجت أختى من كلية الهندسة و تخرجت أنا من كلية الصيدلة و تم تعيينى
بها أيضاً. لم تحرمنا شيئاً، فالحنان كالنهر، و المأكل و الملبس على أحسن مستوى،
والرحلات إلى كل مكان متاح.
حتى جاء اليوم المشؤوم،الذى دخل الغراب فيه عشنا فأفسده و حطمنى.
عزيز، ابن التاجر الغنى، الذى فرش هو و أهله لى الأرض ذهباً و لم يكتف
بالأزهار،تلك الإنقباضة التى أصابت فؤادى فى العمق عندما رأيته للوهلة الأولى، ذلك
الإحساس الصادق المجرد الذى كان يجب أن أستمع إليه و أتبعه دون إبداء أى تبرير و
دون الرضوخ لشعورى بالذنب تجاه أمى التى رأيتها متحمسة للغاية لهذه الزيجة،فقد
استطاع أن يخدعها ببريقه الزائف،حيث أننى شعرت بأنها تريد أن ترتاح من حمل ثقيل
ظلت تحمله معها طوال عمرها.
تكررت الزيارة، و تمت الخطبة التى استمرت لعام كامل فى وجود أبينا السورى،
و الذى لم يشارك بمليم واحد.و لاأدرى حقاً، كيف تحملت أن أستمر معه طوال هذه
المدة، هل استسلمت للأمر،أم نجح فى خداعى بأفاعيله المبالغ فيها و التى كان يجب أن
تؤكد لى إحساسى الأول بحقيقة هذا الشخص المخادعة، لا أعلم و لكن الواقع الذى أعيه
جيداً و أستيقظ لأجده أمامى كل صباح أننى تزوجته و أنجبت منه فتاة و صبى، كثيراً
ما يدفنى يأسى إلى التفكير بأنهما سر شقائى و نقطة ضعفى فى الحياة كما أنهما أجمل
ماحدث لى.
سافرت إعارة لإحدى الدول العربية، و أخذتهما معى وظل هو فى عمله، لايهتم
بشئ سوى بنفسه، لا ينفق على ولديه،حتى بدأ فى لىّ ذراعى بهما،و خيرنى إن كنت أريده
أن ينفق على ابنيه،يجب أن نسافر إلى البلد الإفريقية التى بها فرع الشركة الذى
يعمل فيه بمصر،لنعيش معه هناك.
فجأة صار كل ما عملت لأجله و تحملت هذا الكائن المتشبه بالرجال لأجله ينهار،عملى
مهدد،و علاقتى بأبنائى مهددة ، فلم أسلم من إلحاحهما حتى يسافرا لأبيهما،و للأسف
رضخت ثانية و سافرت بهما.
وكأنه كان ينتظر تلك الفرصة منذ زمن، و أحسن اقتناصها، فأبدع فى إذلالى و
إذلال أولادنا، منعنى من الخروج، لا يترك أى نقود فى المنزل، و لا طعام،وأمام أى
محاولة للإعتراض و المناقشة،يسارع بتهديدنا بأنه لا يريدنا معه،و أنه يريد أن
يتزوج،و أنه على استعداد لإرسالنا إلى مصر فى أى لحظة حتى لو ضاعت السنة الدراسية
على أولاده، فهو لا يجد مانعاً من أن يقوموا بإعادتها.
ضرب أبى أمى قديماً، و مد عزيز يده على أمى أيضاً عندما كانت تزورنى. تزوجت
شخصاً مريضاً، يشعر بالنقص، اتخذنى سلماً ليظهر فى المجتمع بمظهر ينشده،ولم يتمكن
من التخلص بشعوره بالدنو،فقرر أن ينتقم ممن أشعرته بذلك،عندما تضاعف مرتبه وبدأ
يغتنى، صار نمرودا،جاحدا حتى على أولاده.
أقف الآن خلف شرفة السجن، أتطلع للغد و أتخيل نفسى وقد عدت صغيرة تمرح بلا
خوف من مجهول ولا عبء يهد الحيل.
الإحساس صادق لا يكذب، لاتسير فى طريق لست متحمسا له،لا تُحمِل نفسك وزراً
لم ترتكبه، فتعيش مسجونا مثلى عمرا بأكمله تحاول التحرر من سجن داخل آخر، أتوق إلى
منفذ هواء و بصيص من النور.

Comments
Post a Comment