رسائل إلى رفيقى الغائب.. "ﻷنهم قالوا لى: اكتب!"
فلنتجاوز عن عدد الرسائل و هول الأفكار ولنتحدث قليلا عن الحال وما آل إليه.
أتعلم يا رفيقى أن العالم حولنا لا يكف عن الجدال والمناقشات حامية الوطيس حول الكينونة البشرية وعالم المادة والروح، العالم مستعر لا يهدأ له بال، يعى تماماً أن لا شئ يستحق ذلك اليقين الذى يظن البعض أنه قد امتلكه ويتعامل معك بتلك الغطرسة التى منحها هذا اليقين المزيف له.
أريدك أن تعلم أن الدنيا ليست بهذا البأس الذى يجعل الناس يتناسون و يتلونون و يتمادون فى النكران حتى يتحول إلى آفة تتحد مع شعيراتهم الدموية و لا يمكن التخلص منها إلا بالموت"هذا أيضا ليس مؤكدا"، ولكن الأمر يكمن فى النفس البشرية وكهوفها المظلمة والدنيا ما هى إلا عامل الإلهاء المتواضع.
سيتناسون يا صديقى ما فعلت، دفاعك وصلابتك وتحملك، سيتناسون حتى شخصك وسيتذكرون فقط تلك العاهات التى ورثوها. وحينما يعجزون عن مواجهتك سيتهربون من النظر إلى صورتهم فى مرآة عينك، وستنقلب الآيات عليك و ستكون التوافه هى مدخل الحرب.
العالم حولهم فى حراك لا يكف، بينما يقف هؤلاء داخل تلك الحلقة يعيدون مراراً وتكراراً نفس الأخطاء والتصرفات، يفكرون بنفس الطريقة التى إن كانت تحمل فى طياتها نفعاً لأتت به منذ زمن و لكن العند و رفضهم فكرة كونهم على خطأ هما سيدا الموقف.
أما نحن، فنقف بأجسادنا التى تبدو ظاهرياً بينهم، تخنقنا الأصوات الرتيبة، والكلمات المكررة، والأفكار التى تشعرنا يوماً بعد آخر بحجم الغربة التى تسكننا و يتزايد حجمها مع الأيام. نشعر بالصراخ الحبيس يكاد يخنقنا و لا نستسلم له.
وقف ينظر إلى تلك المذكرات المتراكمة أمامه، يحاول تذكر زمن أن كانت صفحته بيضاء ولكنه عجز عن ذلك.
ينظر إليها و يتأمل تلك الرسائل التى لن ترسل والتى قرر أن يبدأ بكتابتها قبل أن يفقد ما تبقى له من سلامة عقل واتزان نفسى. يحاول أن يخرج النيران المستعرة بين ضلوعه فى صورة ذبذبات حبر على أوراق سيأتى عليها زمن و تذبل و تتآكل و يطويها النسيان و ربما ستقع فى أيد غريبة ربما يحثها الفضول على الاطلاع فتشعر بالشفقة على كاتبها.
حين صار "المدعو زيفا بالحوار" مجهداً ،محطماً للنفس و مجرفاً للروح..
حين اكتشف أنه يرى أكثر من اللازم وأن أى محاولة للتجميل والتبرير تثير غثيانه..
حين أدرك احتواء عقله على برنامج مختلف، وحين عجز عن الشروح لمن لا يسمع، لمن يلوى الحقائق، لمن يتلون و يبدل مواقفه حسب الحاجة، لمن يسير بمعايير مزدوجة و ادعاء و التمادى فى دور ضحية لا يليق به.
أمسك بمذكراته،و أعاد ترتيبها، ثم ربت عليها بإمتنان و شكرها لتحملها، ثم أطفأ نور حجرته و ذهب إلى فراشه يحتضنه فى حب حاملا إياه إلى عالمه المختار.

Comments
Post a Comment