المُنقِذ الذى ينتظر الخلاص



أدركت فجأة أن كل شئ قد خالف ما عهدت أو هكذا أظن. غفلة خدعتنى و عدت منها إلى واقع لم ألحظ كم تغير. أمسكت بنفسى متلبسة بتجنب النظر  إلى روحى فى المرآة حتى و أنا أنظر مباشرة إلىِّ، لأننى عندما  أمعنت النظر و دققت  فى ملامحى محاولة النفاذ إلى دفائن روحى لم أتذكر كيف كنت منذ عام و كأن كل ما مر حلم سحيق ابتلعته طيات الزمن وثناياه، و عدت أفكر من جديد، لقد أصبحت الذكرى غائمة و أنا لا أزال  على قيد هذه الحياة ، على متن القطار ذاته فلابد لأننى أمتلك ذكرى بعيدة،عتيقة، ذكرى روحى الأصيلة التى ذابت و هى تنتقل من عالم إلى آخر.
وقفت للمرة الأخيرة، أتلمس وجهى، أنظر إلى نافذتىِّ بتركيز صياد يحاول أن يصيب الهدف و تعجبت داخلى الأنثى التى نضجت، و الصغيرة القابعة فى الظلام تقفز تريد أن تمرح، تحاول أن تلفت نظرى، فأسكتها و أنا أحدث نفسى ، أمهلينى صغيرتى بعض الوقت لأتامل تلك الفتاة التى كسرت حاجزاً جديداً.
عندما يمد إليِّ الغريق يداً لأمسك بها و أسحبه من الرمال التى غاص فيها و كادت أن تبتلعه، عندما ينظر إلى كمخلصه و منقذه، لا أتردد و لكن حوارى مع ذاتى لا يتوقف. ترى هل يعلم و أنا أفتح له بوابة يمر من خلالها النور الذى يرشده أننى حبيس خلف جدار لا يراه،و أننى أيضاً أنتظر الخلاص. هل يعلم من يرانى رسول سلام و محبة، أننى أتصارع مع ذاتى كثيراً، هل يعلم من ينظر إلىّ بانبهار لنجاح حققته أو تفرد أتميز به أننى مازلت لم أحقق مما أتمنى شيئاً، أننى مازلت أدفع أثمانًا باهظة فى سبيل عطية لم أحصل عليها بعد. هل يعلم أننى مازلت أبحث عن النور الذى مر مرتين على سُكناى ثم فر.
لا يهم. أُسكِت هذه الأصوات برأسى، و أمد يدى لأجذبه ، أرى فى خلاصه خلاصاً لى و انتصاراً على كل تلك الآلام. فأنا من الجيل الذى حاول أن يحرك المياه الراكدة، الذى حاول أن يحدث فارقاَ ما، أن يتفرد و يتميز،و لكنهم خدعوه و سخروا منه و نعتوه بتهم لا تُغتفر.
الجيل الذى وقف يشاهد أصدقائه ممن كسروا حاجز العشرية الثالثة و الصغار الذى لم يصلوا بعد إلى الثانية، يرحلون واحد تلو الآخر، فجأة بلا ناقوس إنذار، و بدأت أتأمل كيف يصطفى الموت مرشحيه ، كم هو عتيد يعلم ما نجهل .تُرى هل غفل عنى أم أنه نبذنى هو الآخر مثل مجتمعى المزدحم بتلك الصور الرتيبة المكررة، أم أنه قد منحنى فرصة لأصنع تلك الأسطورة ،فلا تموت بموتى و تستمر  تسرد القصص و لا تتوقف عن الحكى.

دينا الدخس

Comments

Popular posts from this blog

قبل أن تخدع ذاتك

عن فراشة الريم

المُرتَحِلون والساكنون خوفاً